بسم الله الرحمن الرحيم
قال الإمام بدر الدين الزركشي (1):
ولما كانت علوم القرآن لا تنحصر، ومعانيه لا تُستقصَى، وجبت العنايةُ بالقدر الممكن. ومما فات المتقدِّمين وضعُ كتاب يشتمل على أنواع علومه، كما وضع الناس ذلك بالنسبة إلى عِلم الحديث؛ فاستخرتُ اللهَ تعالى ــ وله الحمد ــ في وضع كتاب في ذلك جامع لما تكلَّم الناس في فنونه، وخاضوا في نكته وعيونه، وضمَّـنتُه من المعاني الأنيقة، والحكم الرشيقة، ما يهز القلوبَ طرباً، ويبهر العقولَ عجباً؛ ليكون مفتاحاً لأبوابه، وعنواناً على كتابه؛ معيناً للمفسِّر على حقائقه، ومطلعاً على بعض أسراره ودقائقه؛ والله المخلـِّص والمعين، وعليه أتوكل، وبه أستعين، وسميته "البرهان في علوم القرآن". وهذه فهرست أنواعه:
الأول: معرفة سبب النزول.
الثاني: معرفة المناسبات بين الآيات.
الثالث: معرفة الفواصل.
الرابع: معرفة الوجوه والنظائر.
الخامس: عِلم المتشابه.
السادس: عِلم المبهمات.
السابع: في أسرار الفواتح.
الثامن: في خواتم السور.
التاسع: في معرفة المكي والمدني.
العاشر: معرفة أول ما نزل.
الحادي عشر: معرفة على كم لغة نزل.
الثاني عشر: في كيفية إنزاله.
الثالث عشر: في بيان جمعه ومَن حفظه من الصحابة.
الرابع عشر: معرفة تقسيمه.
الخامس عشر: معرفة أسمائه.
السادس عشر: معرفة ما وقع فيه من غير لغة الحجاز.
السابع عشر: معرفة ما فيه من لغة العرب.
الثامن عشر: معرفة غريبه.
التاسع عشر: معرفة التصريف.
العشرون: معرفة الأحكام.
الحادي والعشرون: معرفة كون اللفظ أو التركيب أحسن وأفصح.
الثاني والعشرون: معرفة اختلاف الألفاظ بزيادة أو نقص.
الثالث والعشرون: معرفة توجيه القراءات.
الرابع والعشرون: معرفة الوقف والابتداء.
الخامس والعشرون: عِلم مرسوم الخط.
السادس والعشرون: معرفة فضائله.
السابع والعشرون: معرفة خواصه.
الثامن والعشرون: هل في القرآن شيء أفضل من شيء.
التاسع والعشرون: في آداب تلاوته.
الثلاثون: في أنه هل يجوز في التصانيف والرسائل والخطب استعمال بعض آيات القرآن.
الحادي والثلاثون: معرفة الأمثال الكائنة فيه.
الثاني والثلاثون: معرفة أحكامه.
الثالث والثلاثون: في معرفة جدله.
الرابع والثلاثون: معرفة ناسخه ومنسوخه.
الخامس والثلاثون: معرفة توهُّم المختلف.
السادس والثلاثون: في معرفة المحكَم من المتشابه.
السابع والثلاثون: في حكم الآيات المتشابهات الواردة في الصفات.
الثامن والثلاثون: معرفة إعجازه.
التاسع والثلاثون: معرفة وجوب تواتره.
الأربعون: في بيان معاضدة السنة للكتاب.
الحادي والأربعون: معرفة تفسيره.
الثاني والأربعون: معرفة وجوب المخاطبات.
الثالث والأربعون: بيان حقيقته ومجازه.
الرابع والأربعون: في الكناية والتعريض.
الخامس والأربعون: في أقسام معنى الكلام.
السادس والأربعون: في ذكر ما يتسَّر من أساليب القرآن.
السابع والأربعون: في معرفة الأدوات.
واعلم أنه ما من نوعٍ من هذه الأنواع إلا ولو أراد الإنسان استقصاءه، لاستفرغ عمرَه، ثم لم يُحكِم أمرَه؛ ولكن اقتصرنا من كل نوع على أصوله، والرمز إلى بعض فصوله.. (2)
الحواشي:
(1) الإمام بدر الدين محمد بن عبد الله بن بهادر الزركشي: أحد العلماء الأثبات الذين نجموا بمصر في القرن الثامن؛ وجـِهْبـِذ من جَهابذة أهل النظر وأرباب الاجتهاد؛ وهو أيضاً عَـلم من أعلام الفقه والحديث والتفسير وأصول الدين.
كان الشيخ جمال الدين الإسنوي رئيسُ الشافعية بالديار المصرية بدرَ العلماء الزاهر، وكوكبهم المتألق؛ وإمام أهل الحديث بالمدرسة الكاملية غيرَ مدافع؛ فلزمه وتلْمذ له؛ ونهل من علمه ما شاء الله له أن ينهل، فكان من أنجب تلاميذه وأوعاهم، وأفضلهم وأزكاهم؛ كما تخرَّج على الشيخ سراج الدين البلقيني، والحافظ مغلطاي، وغيرهم من شيوخ مصر وعلمائها.
ثم ترامت إليه شهرة الشيخ شهاب الدين الأذرعي بحلب، والحافظ ابن كثير بدمشق، فشد إليهما الرحال؛ قصد إلى حلب أولاً حيث أخذ عن الأذرعيّ الفقه والأصول؛ ثم عمد إلى دمشق حيث تلقى على ابن كثير الحديث؛ ثم عاد إلى القاهرة وقد جمع أشتات العلوم، وأحاط بالأصول والفروع؛ وعرف الغامض والواضح، ووعى الغريب والنادر، واستقصى الشاذ والمقيس؛ إلى ذكاء وفطنة، وثقافة وألمعية؛ فأهَّـله كل ذلك للفتيا والتدريس، والتوفر على الجمع والتصانيف..
وكان رضيَّ الخُلْق، محمود الخصال، عذب الشمائل؛ متواضعاً رقيقاً، يلبس الخَلَقَ من الثياب، ويرضى بالقليل من الزاد؛ لا يشغله عن العلم شيء من مطالب الدنيا، أو شؤون الحياة.
قال ابن حجر: كان منقطعاً في منزله لا يتردد إلى أحدٍ إلا إلى سوق الكتب؛ وإذا حضر إليها لا يشتري شيئاً؛ وإنما يطالع في حانوت الكتبي طول نهاره ومعه ظهور أوراق يعلق فيها ما يعجبه، ثم يرجع فينقله إلى تصانيفه.
وحكى تلميذه شمس الدين البرماوي أنه كان منقطعاً إلى الاشتغال بالعلم لا يشتغل عنه بشيء، وله أقارب يكفونه أمر دنياه.
(2) البرهان في علوم القرآن، الإمام بدر الدين محمد بن عبد الله الزركشي؛ تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، المكتبة العصرية، المجلد الأول، ص5-6/9-12.