سورة الفاتحة
{بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ}[1]
الباء في كلمة "بسم" للاستعانة(1)، وقد قيل أن الباء للإلصاق(2) والأول أرجح. أما كلمة "اسم" فهي مشتقة من السمة وهي العلامة(3)، وقيل من السمو وهو العلو(4) ولعل التقدير الأول هو الأرجح، فالله يقول:
"في بيوتٍ أَذِنَ اللهُ أن تُرفع ويُذكر فيها اسمه يُسبِّح له فيها بالغدو والآصال"(5).
ويقول:
"ومساجدُ يُذكر فيها اسم الله كثيراً"(6).
ويقول أيضاً(7):
"واذْكُر اسمَ ربِّكَ وتبتَّل إليه تبتيلاً"(.
وكل هذا يدل على أن الاسم من السمة لا من السمو، ولله المجد والعزة والجلال والعظمة.
ويستعمل "الاسم" بصورة عامة للتمييز والتعيين كتسميتنا للأشياء، أو للمعرفة كقولنا: "عقل"، "روح"...
وتقدير قول "بسم الله الرحمن الرحيم" هو: أبتدئ باسم الله الرحمن الرحيم أو ابتدائي باسم الله الرحمن الرحيم(9).
"الله ": عَلَمٌ أصلُهُ "إِلاه" على وزن فِعال بمعنى مَفعول، لأنه مألوه أيْ معبود، كقولنا: "إمام" على وزن فِعال بمعنى مفعول، لأنه مُؤْتَمٌّ به(10)، قال تعالى في كتابه العزيز:
"ما اتخذ اللهُ من ولد وما كان معه من إله إذاً لذهب كل إله بما خلق"(11).
ولا يُعرف في كلام العرب لاسم "الله" اشتقاق من فَعَلَ يَفْعَلُ، فذهب مَن ذهب من النحاةُ إلى أنه جامد لا اشتقاق له، وقد نقله القرطبي عن جماعة من العلماء منهم الشافعي والخطابي وإمام الحرمين والغزالي وغيرهم(12)..(13)
"الرحمن ": من رَحِمَ، والراء والحاء والميم أصل واحد يدل على الرِّقَّة والعطف والرأفة(14). وصيغة فعلان لا تقع إلا على مبالغة الفعل نحو قولك "رجل غضبان" لــ: الرجل الممتلئ غضباً(15)، وهي صيغة تدل على الكثرة في المبالغة(16). والمشهور في الأحاديث أن صفة "الرحمن" تعود إلى رحمة الله في الدنيا وهي عامة لجميع الخلق(17)، وهذا سبب ورود الرحمة بهذه الصيغة ــ الأكثر مبالغة ــ، فالله عطوف بجميع الخلق الكافر منهم والمؤمن..(18)
"الرحيم " من رَحِمَ أيضاً؛ وصيغة فَعِيْل تدل على وصف فعلي فيه معنى المبالغة للصفات الدائمة الثابتة، ولهذا لا يُستغنى بأحد الوصفين(19) عن الآخر(20). والمشهور في الأحاديث أن صفة "الرحيم" تعود إلى رحمة الله في الآخرة وهي خاصة بالمؤمنين(21).
الحمد لله ربِّ العالمين [2]
"الحمد ": الثناء والشكر(22)، الــ: "رب" هو السيد والمصْلِح(23)؛ و"العالمين": الإنس والجن(24)، وتأتي بمعنى الخلق كله(25)، إلا أن المراد بها هنا هو الإنس والجن، أي الكائنات العاقلة المكلَّفة، وذلك لارتباط كلمة "العالمين" بكلمة "رب"، وصفة الرب هنا لإظهار معنى العناية لا السيادة فحسب، ولتعلُّق السياق ببعضه البعض، فالآية التالية هي "الرحمن الرحيم "، وهاتان الكلمتان هما صفتان خاصتان بالكائنات المكلَّفة. ومما يؤيد ذلك قوله تعالى:
"وإذ قالت الملائكةُ يا مريم إن الله اصطفاك وطهَّرك واصطفاك على نساء العالمين"(26).
وليست النساء هنا إلا نساء الإنس والجن، لا الخلق بأكمله..
وقوله تعالى عن بني إسرائيل:
"وإني فضَّلتكم على العالمين"(27).
أيْ أنه قد خصَّهم ــ آنذاك ــ بالهداية والنعمة من بين سائر الجن والإنس.
الرحمنِ الرحيمِ [3]
الرحمن بجميع الخلق ــ مِنَّةً وتفضُّلاً ــ، الرحيم بالمؤمنين خاصة ــ جزاءً وعدلاً ــ(28).
مَلِكِ يوم الدين [4]
"مَلِك": أيْ أنه يملك إقامة يوم الدين. قال أهل النحو: إن مَلِكَاً أمدحُ من مالِكٍ، وذلك أن المالِكَ قد يكون غيرَ مَلِكٍ، ولا يكون المَلِكُ إلا مالِكاً؛ وجَمْعُ المالِكِ مُلَّاك ومالكون، وجَمْعُ المَلِكِ مُلوك(29). وقد قَرَأَ ابنُ كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر وحمزة(30): "مَلِكِ يومِ الدينِ" بدون ألف(31)، وقرأ آخرون غير ذلك، ولعل الأُولى ــ "مَلِك" ــ هي الأصح، وذلك من وجوه عدّة، أهمها:
أنَّ المَلِكَ في الحقيقةِ هو اللهُ ــ عزَّ وجلَّ ــ(32). قال تعالى:
"هو الله الذي لا إله إلا هو المَلِكُ القدُّوس السلام"(33).
وأنه من المعروف في اللغة والعُرف أن المُلْكَ بضم الميم هو المنسوب إلى الزمان، يقال: مَلِكُ العصر الفلاني، ولا يقال مالِك العصر الفلاني إلا بعناية بعيدة، وقد قال تعالى: "مَلِكِ يومِ الدينِ" فنسبه إلى اليوم، وقال أيضاً: "لِمَن المُلك اليوم للهِ الواحد القهار"(34).
يقول الزمخشري:
و"مَلِك": هو الاختيار لأنه قراءة أهل الحرمين، ولقوله تعالى: "لَمَن المُلكُ اليوم"، ولقوله: "مَلِك الناس"؛ ولأن المُلْك يعم، والمِلْك يخص(35).
"يوم الدين ": يوم الجزاء حيث "الدين" هو الجزاء(36) ومنه قول العرب: "كما تدين تُدان"(37).
إياك نعبد وإياك نستعين [5]
"إياك ": ضمير منفصل لبيان المخاطب حيث اقترن الضمير "إيا" بكاف الخطاب(38).(39)
"نعبد ": نؤمن(40) ونطيع، والعابد هو الموحِّد(41)، وجَمْعُ عَبْدِ اللهِ: عباد الله، وجَمْعُ عَبْدٍ مَمْلُوْكٍ: عبيدٌ مماليكٌ، ولم ترد لفظة عبيد في القرآن إلا بخصوص الكافرين الذين استنكفوا عن عبادة الله فجزاهم الله عذاب الحريق بينما نجد أن عباد الله المخلصين مكرَّمين، وذلك قوله:
"إلا عباد الله المخلصين * لهم رِزقٌ معلوم * فواكِه وهم مكرَّمون"(42).
إذاً، "إياك نعبد ": نؤمن بك وَحْدك، ونطيعك ونأتمر بشريعتك.
"وإياك نستعين": أيْ نستعينك على تأدية فرائضك وحُسن الامتثال لأوامرك، وفي القيام بأعمالنا وقضاء حوائجنا.
اهدنا الصراطَ المستقيمَ [6]
"اهدنا ": دُلَّنا وأرشدنا، ولا غرابة في طلب الهداية بعد الإيمان إذ يقول الله في كتابه العزيز:
"وإني لَغفَّار لمَن تاب وآمن وعمل عملاً صالحاً ثم اهتدى"(43).
أيْ: إن الله يغفر لمَن تاب من الشرك وآمن به وأدَّى فرائضه ثم اهتدى بالالتزام بأحكامه وحدوده المنزلة في القرآن الكريم وأخذ بسنة نبيه ــ ص ــ. والدليلُ على صحة ما ذهبنا إليه من معنى الهداية هنا(44) قولُه تعالى:
"وكذلك أوحينا إليك رُوحاً من أمرنا ما كنتَ تدري ما الكتابُ ولا الإيمانُ ولكن جعلناه نوراً نهدي به مَن نشاء من عبادنا وإنك لَتهدي إلى صراط مستقيم"(45).
وقوله:
"وهُدوا إلى الطيب من القول وهُدوا إلى صراط الحميد"(46).
"الصراط المستقيم " : طريق الحق وهو ملة الإسلام(47)، المتمثِّل بكتاب الله وسنة نبيه(48).
وفي قوله: "اهدنا الصراط المستقيم ": دعاءٌ للزيادة والثبات..(49)
صراطَ الذين أنعمتَ عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين[7]
"صراط الذين أنعمتَ عليهم" من الأنبياء والصديقين والشهداء والصالحين(50)، "غير المغضوب عليهم" حيث آمنوا وصدَّقوا وعملوا وأخلصوا، "ولا الضالين" بثباتهم على الإيمان وإخلاصهم بالتمسك بالأركان..
(1) إعراب القرآن الكريم وبيانه، محي الدين الدرويش، دار اليمامة وابن كثير، مج1، ص9.
(2) للباء معاني كثيرة جداً ومنها الإلصاق نحو: أمسكتُ بالغلام. [المنجد في اللغة]
(3) إعراب القرآن، الدرويش. (القول بأن الاسم مشتق من السمة هو مذهب الكوفيين من علماء اللغة؛ مع الإشارة إلى أن عدد آيات المصحف الشريف المعتمد في المصاحف ـ وهو القول الأشهر ـ هو ما نحى إليه أهل الكوفة. <انظر مجمع البيان في تفسير القرآن، الفضل الطبرسي، دار مكتبة الحياة، ج1، ص23>)
(4) هذه مقولة البصريين. [انظر: إعراب القرآن، الدرويش]
(5) النور، 36.
(6) الحج، 40.
(7) كثيرة هي الآيات المبينة لاشتقاق الاسم ـ"اسم الله"ـ من السمة، ولا يمكن الإتيان بها كاملة في هذا الموضع، وفيما ذكرنا كفاية لمَن اكتفى.
( المزمل، 7.
(9) مجمع البيان، الطبرسي. إعراب القرآن، الدرويش.
(10) لسان العرب، ابن منظور، دار المعارف، مج1، ص115. مادة: أله.
(11) المؤمنون، 91. (والاستشهاد بهذه الآية على النحو المبين أعلاه مأخوذ من نفس المرجع السابق ـ لسان العرب ـ)
(12) تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، دار التراث العربي، مج1، ص19.
(13) قيل في أصل كلمة "الله" غير الذي ذكرنا، ومن ذلك القول بأنها عبرانية. [تفسير ابن كثير: سورة الفاتحة، (مج1، ص20)، عن تفسير الرازي] وفي الحقيقة أن هناك الكثير من الباحثين المتأخرين يحبذون إرجاع كلمة "الله" إلى كلمتين، وهما: السومرية "ان" وهي صفة تعني السيد أو السماء. والثانية أكادية وهي "عل" وتعني العالي وهي صفة أيضاً. ثم تحولت إلى "إيل" ثم "الله". وعلى أيّ حال، لا يضر بأصلِ كلمةِ "اللهِ" العربيِّ الأصيلِ ثبوتُ أيّ تأويلٍ مما ذكرنا، وذلك من ناحيتين، الأولى أن السومرية والأكادية لهجات عربية قديمة، والثانية أن اللغة العربية ـ لغة القرآن ـ هي لغة معجزة بحد ذاتها، ولهذا نزل القرآن بها! وإن كان أصل كلمة "الله" الأساسي مأخوذ من لهجات عربية قديمة مخلتفة فلا غرابة أن يكون ذلك من فعل أحد الأنبياء أو تابعيهم.. وبالمحصلة أقول: إن توافق معنى كلمة "الله" ولفظها في اللغة العربية مع لغات أخرى قديمة يصب في مصلحة اللغة العربية نفسها لا العكس.
(14) مقاييس اللغة، ابن فارس، مادة: رحم.
(15) تفسير القرآن العظيم، ابن كثير.
(16) الميزان في تفسير القرآن، العلامة محمد حسين الطباطبائي، الأعلمي، مج1، ص21.
(17) انظر جامع البيان عن تأويل آي القرآن ـ المعروف بتفسير الطبري ـ، الإمام ابن جرير الطبري، دار إحياء التراث العربي، ج1، ص65.
(18) إن لفظة "رحمن" لفظة قديمة ومعروفة وإنْ جهلتها بعض العرب. يقول د جواد علي:
ونقرأ في النصوص العربية الجنوبية اسم إله جديد، هو الإله "رحمنن"، أي "الرحمن". وهو إله يُرْجع بعضُ المستشرقين أصلـَه إلى دخول اليهودية إلى اليمن وانتشارها هناك. وهذا الإله هو الإله "رحمنه" Rahman-a "رحمنا" في نصوص تدمر..
[المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام، د. جواد علي، منشورات الشريف الرضي، مج6، ص306]
(19) رحمن رحيم.
(20) إعراب القرآن.
(21) انظر تفسير الطبري ـ، الإمام ابن جرير الطبري، ج1، ص65.
(22) للحمد معاني متعددة أشهرها "الشكر" و"الثناء"، وقد ميز اللغويون بين الشكر والحمد فقالوا أن الشكر لا يكون إلا ليدٍ (أيْ على شيء) بينما يجوز أن يكون الحمد ابتداءً للثناء. [لسان العرب] ومن معاني الحمد: الرضى، القضاء الحق. [القاموس المحيط، الفيروزآبادي، مادة: حمد]
(23) تفسير الطبري.
(24) قال ابن عباس في شرح قوله تعالى: "رب العالمين": رب الجن والإنس. وقال الأزهري: الدليل على صحة قول ابن عباس قوله عز وجلّ: "تبارك الذي نزّل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيراً"، وليس النبي ـ ص ـ نذيراً للبهائم ولا للملائكة وهم كلهم خلق الله؛ وإنما بُعث محمد ـ ص ـ نذيراً للجن والإنس. [لسان العرب، مادة: علم] (وانظر قول ابن عباس ـ أيضاً ـ في تفسير الطبري)
(25) لسان العرب.
(26) آل عمران، 42.
(27) البقرة، 47 و122 أيضاً.
(28) تتفرد سورة الفاتحة بعبارتي "إياك نعبد" و "إياك نستعين". حتى أن كلمة "إياك" لم ترد في القرآن الكريم إلا في هذه الآية الشريفة؛ وكذلك كلمة "نستعين". ويُستَشَفّ من معنى هذه الآية الكريمة أن العبادة لا تكون إلا لله، وكذلك الاستعانة التوكلية لا تكون إلا بالله، فقد جاء في القرآن الكريم: "قال موسى لقومه استعينوا بالله واصبروا إن الأرض لله يورثها مَن يشاء من عباده والعاقبة للمتقين". [الأعراف، 128] ولم ترد عبارة "استعينوا بالله" في القرآن الكريم إلا في هذه الآية. وإذا كانت الاستعانة بموجودٍ لا تكون إلا بالله ـ موجد الموجودات ـ فإن الاستعانة بعمْلٍ ما لا تكون إلا بأقرب الأمور من الله وأحبها إليه، وبيان ذلك قوله ـ تعالى ـ: "واستعينوا بالصبر والصلاة". مع الإشارة إلى أن هذه الجملة لم ترد في القرآن الكريم إلا مرتين في سورة البقرة (45-153)
(29) إعراب القرآن، الدرويش.
(30) من قراء القرآن، وأسماؤهم: عبد الله بن كثير المكي (48-122هـ)، ونافع بن عبد الرحمن إمام أهل المدينة (ت:169هـ)، وأبو عمرو بن العلاء البصري أمير القراء السبعة (نحو:70-154هـ)، وعبد الله بن عامر اليحصبي مقرئ الشام (21-118هـ)، وحمزة بن حبيب الزيات الكوفي (نحو78-156هـ). [سير أعلام النبلاء، تهذيب الكمال، لسان الميزان]
(31) لسان العرب، مادة: ملك.
(32) تفسير ابن كثير. [وقوله المَلِك في الحقيقة هو الله لأن المُلك بأسره بيد الله. يقول الله في سورة آل عمران: "قل اللهم مالِك المُلك تؤتي المُلك مَن تشاء وتنزع المُلكَ ممن تشاء".]
(33) الحشر، 23.
(34) الميزان في تفسير القرآن، مج1، ص25.
(35) الكشاف.
(36) للدين معاني أخرى، أهمها: الطاعة كقوله تعالى "في دين المَلِك". (سورة يوسف، 76) والملة.
(37) إعراب القرآن.
(38) الكشاف: بتصرّف لتسهيل الفهم. [إيا: ضمير منفصل يكون لبيان الخطاب إذا اقترن بالكاف، وللغائب إذا اقترن بالهاء، وللمتكلم إذا اقترن بالياء. يقول الشيخ مصطفى غلاييني: الضمير قائم مقام الاسم الظاهر، والغـَرَضُ من الإتيان به الاختصارُ. (أو البيان) والضمير المتصل أخصرُ من الضمير المنفصل. فكلّ موضع أمكن أنْ يُؤتى فيه بالضمير المتصل لا يجوز العدول عنه إلى الضمير المنفصل، فيقال: أكرمتك، ولا يقال أكرمتُ إياك. فإنْ لم يمكن اتصال الضمير تعيّن انفصاله وذلك إذا اقتضى المقام تقديمه كقوله تعالى: "إياك نعبد".. أو محصوراً بإلا أو إنما كقوله تعالى: "أمَرَ أن لا تعبدوا إلا إياه". (جامع الدروس العربية، مصطفى غلاييني، المكتبة العصرية، مراجعة وتنقيح د. عبد المنعم خفاجة، ج1، ص120]
(39) قال الشهيد السعيد، الشيخ أبو علي الفضل بن الحسن الطبرسي، الملقَّب بأمين الدين أو أمين الإسلام، في تحوّل الخطاب من الغائب إلى الحاضر (من الحمد لله رب العالمين.. إلى إياك):
أما العدول عن الخبر إلى الخطاب في قوله "إياك نعبد" إلى آخِر السورة فعلى عادة العرب المشهورة، وأشعارهم من ذلك مملوءة. قال لبيد:
باتتْ تشكَّى إليَّ النفسُ مجِهشةً وقد حَمَلْتُكِ سَبعاً بعد سبعينا
وقال أبو كثير الهذلي:
يا لهفَ نفسي كان جِدةُ خالدٍ وبياضُ وجهِكَ للترابِ الأعفرِ
فرجع من الإخبار عن النفس إلى مخاطبتها في البيت الأول، ومن الإخبار عن خالد إلى خطابه في البيت الثاني.
[مجمع البيان، الطبرسي، مج1، ج1، ص56]
قال محي الدين الدرويش:
وفي هذه السورة (الفاتحة) فن الالتفات من لفظ الغيبة إلى الخطاب، ومن لفظ الخطاب إلى الغيبة، والغرض من هذا الفن التطرية لنشاط الذهن جرياً على أساليبهم (أي العرب)، ولأنه لما أثنى على الله بما هو أهلٌ له وأجرى عليه تلك الصفات العظيمة سا غ له أن يطلب الاستعانة منه بعد أن مهَّد لذلك بما يبرر المطالبة، وهو ــ تعالى ــ خليقٌ بالاستجابة، وللإشعار بأن أولى ما يلجأ إليه العبادُ لطلب ما يحتاجون إليه هو عبادته تعالى والاعتراف له بصفات الألوهية البالغة؛ وقال: "صراط الذين أنعمتَ عليهم"، فأصرح الخطاب لما ذكر النعمة، ثم قال: "غير المغضوب عليهم" فزوى لفظ الغضب عنه تحنناً ولطفاً، وهذا غاية ما يصل إليه البيان..
[إعراب القرآن، الدرويش، مج1، ص16-17]
(40) يعبد ـ كما ترد في القرآن الكريم ـ: يتـّخـذ إلهاً.. ومن هذا الحيث فسَّرنا كلمة "نعبد" بكلمة "نؤمن"، وأصل العبودية في اللغة: الطاعة والخضوع.
(41) لسان العرب، مادة: عبد. وفي المنجد في اللغة: عَبَدَ: وَحَّدَ. وتجدر الإشارة إلى أن علماء اللغة قد ميزوا بين جمع الـ: "عَبْد". فقالوا إن جمع المماليك هو عبيد، وجمع مَن تعبَّد اللهَ "عباد". [المرجع نفسه. وانظر مقاييس اللغة، مادة: عبد]
(42) الصافات، 40-42.
(43) طه، 82.
(44) انظر لسان العرب: مادة هدي.
(45) الشورى، 52.
(46) الحج، 24.
(47) الكشاف، الزمخشري.
(48) تفسير ابن كثير.
(49) راجع البحث الخاص بـ: "الصراط المستقيم".
(50) يقول الله ـ تبارك وتعالى ـ: "ولَهديناهم صراطاً مستقيماً * ومَن يطع اللهَ ورسوله فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحَسُن أولئك رفيقاً * ذلك الفضل من الله وكفى بالله عليماً". [سورة النساء، 68-70]